https://www.mei.edu/publications/electoral-path-may-not-save-lebanon-its-citizens-deserve-chance-walk-it

انتخابات لبنان ٢٠٢٢: كي لا نكون أمام محطة 'لزوم ما لا يلزم'.

بضعة أشهر تفصلنا عن الموعد المفترض للانتخابات النيابيّة الدوريّة في لبنان، انتخابات تأتي في زمن اشتدت فيه الأزمات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية وأدت إلى ما أدت إليه من انهيار لمقومات الدولة. غير أنه رغم التشكيك المشروع والمستمر بوجود "نوايا مبيّتة" تجاه الاستحقاق المُنتظَر، نظراً للسابقة التشريعية، التي أدت إلى تمديد ولاية المجلس النيابي في العام 2013 كما والعامين 2014 و2017 بحجج "أمنية" بعد استعار الأزمة في سوريا وانتقال شظاياها إلى الساحة اللبنانية. رفض كثيرون الحجة الأمنية في تأجيل الانتخابات، خصوصاً بعد تنظيم وإجراء الانتخابات البلدية في عام 2016 وصدور قرار من المجلس الدستوري في عام 2014 ، أي قبل عامين من إجراء الانتخابات البلدية والذي أكد بموجبه وبالإجماع على عدد من البنود من بينها:

· ان التدابير الاستثنائية ينبغي ان تقتصر على المدة التي توجد فيها ظروف استثنائية فقط.

· اجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة.

غير أنه وسط المخاوف من إمكانيّة "تطيير" الاستحقاق الانتخابي لأسباب واعتبارات شتّى، توحي الأجواء العامّة في البلاد أنّ "موسم الانتخابات" قد انطلق عمليًا، لا سيّما وأنّ الحسابات الانتخابيّة والشعبويّة باتت تطغى على كلّ ما عداها في تسيير شؤون البلاد. ولعلّ السجالات التي رافقت أزمة تشكيل الحكومة (قبل تشكيلها) خلال الأشهر الماضية تكفي للدلالة على ذلك، حيث استُحضِر الخطاب "الطائفيّ" المُلازِم للانتخابات عادةً، بشكلٍ بدا لكثيرين مُبالَغًا به، خصوصًا أنّ الحديث المتكرّر عن "حقوق الطائفة" تارةً، و"صلاحيّات الزعيم" تارةً أخرى، يأتي في ظلّ سباق "محموم" مع "الانهيار الشامل"، الذي يحذّر الكثير من المتابعين من تداعياته "الكارثيّة"، وقد بدأت "طلائعه" بالظهور بشكلٍ أو بآخر. كما وأن الخطابات والتسريبات المتناقضة المتعلقة بإجراء الانتخابات من عدمها بدأت تتكاثر في هذه الفترة ما يضعنا أمام ارتياب وسيناريوهات متعددة، وهي:

· اجراء الانتخابات بوقتها دون أي خرق للمهل القانونية والدستورية

· اجراء الانتخابات بطريقة مشوهة تجعلنا أمام محطة "لزوم ما لا يلزم"

· عدم إجراء الانتخابات في وقتها بحجج متعددة مثل إدخال "إصلاحات" على قانون الانتخابات

على ماذا ينص القانون؟

تنص المادة 41 من قانون الانتخابات 44/2017 كما والمادة 42 من الدستور اللبناني المعدل على وجوب إجراء الانتخابات النيابية خلال مهلة الستين يوما التي تسبق انتهاء ولاية المجلس النيابي قانونا في 23 أيار/مايو 2022. وبالتالي نحن أمام سيناريو عقد الانتخابات في أي يوم أحد للمقيمين في الداخل بحسب المادة 87 من قانون الانتخابات، وقبلها بـ 15 يوماً على الأكثر للمسجلين في الدول العربية (يوم جمعة) كما والدولة الغربية (يوم أحد) وذلك بحسب المادة 118 من قانون الانتخابات.

كما وأفرز قانون الانتخابات حيّزًا واسعًا لهيئة الإشراف على الانتخابات، حيث خصّها بفصلٍ كامل، تضمّن كلّ التفاصيل حول دورها وآليّة عملها، بدءًا من تأليفها، مرورًا بتعيينها وولايتها، وصولاً إلى نظامها الداخلي ومهامها وقراراتها وموازناتها، فضلاً عن دورها في مراقبة الانتخابات وضمان نزاهتها. ووفقًا للمادة 9 من القانون، تمارس الهيئة الإشراف على الانتخابات وفقًا للمهام المحدّدة لها، "بصورة مستقلّة"، ولكن "بالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات"، الذي يواكب أعمال الهيئة، ويؤمّن لها مقرًا خاصًا مستقلاً، كما يحضر اجتماعاتها "عند الاقتضاء، ومن دون أن يشارك في التصويت".

وتحدّد المادة 19 من قانون الانتخابات مهام وصلاحيّات الهيئة، ومن بينها إصدار القرارات والتعاميم التي تدخل ضمن مهامها، وتلقي طلبات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية الراغبة بالمشاركة في تغطية الانتخابات وتسليمها التصاريح اللازمة لذلك، ووضع قواعد سلوك للتغطية الإعلامية، ومراقبة تقيد اللوائح والمرشحين ووسائل الإعلام على اختلافها بالقوانين والأنظمة التي ترعى المنافسة الانتخابية، وتحديد شروط وأصول القيام بعمليات استطلاع الرأي.

كما وحدد قانون الانتخابات المهل القانونية المتعلقة بالمسار المتعلق للعملية الانتخابية نأتي على ذكر أبرزها:

في الواقع الحالي

بعد قراءة أولية في القانون الانتخابي والمهل التي تنطوي عليه، نجد أنفسنا اليوم أمام واقع واستحقاقات قد تسبقنا، من الممكن أن تضع العملية والمسار الخاص بالانتخابات في مهب الريح. وهذا ما يعززه الغياب التام ليس فقط لجهوزية الإدارة في تنظيم العملية من الناحية اللوجستية، إنما للإرادة السياسية بتنظيم الانتخابات وبالتالي الوصول إلى الهدف المبتغى منها.

في تنظيم العملية الانتخابية

نبدأ من حيث ما تطرقنا إليه سابقاً عن دور أساسي وحيوي في "تنظيم" العملية الانتخابية ومراقبتها، فالسلطة السياسية المتمثلة بالمجلس النيابي، لم تقدم حتى يومنا على إنشاء إدارة مستقلة ماليا وإداريا عن وزارة الداخلية والبلديات تقوم بتنظيم الانتخابات، وهذا مطلب سعى الكثيرون إلى إبرازه والمطالبة به كإصلاح يساهم في زيادة الثقة من قبل الناخبين والناخبات بالاستحقاق الانتخابي برمته، وبالتالي إقبال أكثر على المشاركة والاقتراع.

كما وأن السلطة التنفيذية لم تقم حتى تاريخ كتابة هذه السطور بإنشاء هيئة إشراف على الانتخابات بعد انتهاء ولاية الهيئة القائمة حاليا، بموجب المادة 11 من قانون الانتخابات، وقبل أقل من سبعة أشهر من إجراء الانتخابات ما يضع علامات استفهام كثيرة عن نيتها (السلطة) بتنظيم استحقاق انتخابي وخلق جو يساعد في توسيع قاعدة المشاركة لأكبر عدد ممكن من الناخبين والناخبات في العملية الانتخابية. بحيث أن عدم تشكيل هيئة إشراف على الانتخابات ورصد وصرف الاعتمادات المالية اللازمة لها وإعطائها الصلاحيات المناطة إليها في القانون الانتخابي، بالرغم من محدودية تلك الصلاحيات، لا يساعد في بناء الثقة في العملية الانتخابية لا من جهة الادارة الناظمة ولا من جهة حيادية ونزاهة العملية الانتخابية، وبالتالي، الخوف من أن عدم تشكيل الهيئة سيساهم في خفض نسبة الاقبال على التصويت.

في تحديد موعد الانتخابات

صحيح أن قانون الانتخابات قد أعطى مهلة للسلطة التنفيذية بتحديد يوم اجتماع الهيئات الناخبة خلال مهلة الستين يوماً السابقة لانتهاء ولاية المجلس النيابي، غير أن المتابعين للشأن الانتخابي والمهل القانونية يرتابون من تحديد مهلة سابقة لتاريخ 30 آذار/مارس موعداً للانتخابات، بعد أن قام وزير الداخلية والبلديات السابق بتحديد خارطة طريق يكون فيها 8 أيار/مايو 2022 موعداً محدداً لإجرائها.

إن طرح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي موعد 27 آذار/مارس ووضعه على نار حامية في الأروقة السياسية كتاريخ محتمل لإجراء الانتخابات في لبنان، يحول دون مشاركة حوالي المئة ألف من الذي أتموا الواحدة والعشرين في العملية الانتخابية لعام 2022، إذ أن القوائم الانتخابية تجمد بشكل نهائي في 30 آذار/مارس من كل سنة، وبالتالي سيتم الاعتماد على القوائم الانتخابية التي جمدت بتاريخ 30 آذار/مارس 2021 لانتخابات عام 2022.

في انتخابات غير المقيمين

أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين تعميماً في 28 أيلول/سبتمبر 2021 إلى جميع البعثات الديبلوماسية اللبنانية في الخارج، حددت فيه موعد تسجيل اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية للاقتراع في الانتخابات النيابية 2022، وذلك ابتداء من الاول من شهر تشرين الاول/اكتوبر المقبل ولغاية العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2021، من خلال اتباع آلية محددة. غير أنه وفي حديث صحافي لوزير الخارجية والمغتربين، أعرب بو حبيب عن تخوفه من عدم إمكانية إجراء انتخابات الخارج بسبب التحديات المالية بعد تدهور قيمة العملة الوطنية. وهذا إن دل على شيء فهو يؤشر على:

1- إن إمكانية إلغاء اقتراع المقيمين سيحرم أكثر من مئة ألف ناخبة وناخبة (أكثر من 82900 ناخب وناخبة قاموا بتسجيل أسمائهم في انتخابات 2018 النيابية وهذا الرقم من المرجح أن يرتفع بعد هجرة عشرات الآلاف عقب الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد) من حقهم .

2- إن العقبات والتحديات المالية التي تطرق إليها الوزير من شأنها أن تسري على انتخابات الداخل أيضاً بما أنه من المرجح أن يزداد الوضع المالي للدولة سوءًا بغياب خطة واضحة للنهوض بالاقتصاد.

إن حرمان عشرات الآلاف من الناخبين والناخبات الذين أتموا الواحدة والعشرين ربيعاً من التصويت في الانتخابات مع ربطها بإمكانية السلطة السياسية إلغاء اقتراع غير المقيمين يجعلنا أكثر يقيناً بأن الادارة الناظمة للعملية الانتخابية والقوى السياسية مجتمعة تعمل على منع من لا يمكن السيطرة عليهم بالنظام الزبائني وتحديد خياراتهم السياسية من امكانية التصويت في انتخابات 2022، وهذا ما سنفصله في الفقرة التالية.

في إفراغ الانتخابات من مضمونها وتغييب مبدأ المحاسبة

يختصر المسار الذي تم التطرق إليه في هذه الورقة من إمكانية تقديم موعد الانتخابات كما وإمكانية "تطيير" اقتراع غير المقيمين، النهج الذي تسلكه السلطة السياسية في كيفية مقاربتها للانتخابات والهدف المنشود منه. نحن لا نتحدث فقط عن حرمان مئات الآلاف من الناخبين من ممارسة حقهم في الاقتراع، إنما أيضاً عن عدم احترام المساواة في الحقوق السياسية والمدنية بين المواطنين (الناخبين والمرشحين) والمكفولة بالدستور اللبناني. فكيف يمكن لناخبي الخارج أن يتساووا مع ناخبي الداخل بالولوج إلى مراكز وأقلام الاقتراع في حال حرمان غير المقيمين من التصويت؟

وكيف يمكن لمرشحين من خارج المنظومة السياسية أن يتكافأوا بالفرص في خوض غمار العملية الانتخابية والمنافسة في الحملات مع مرشحين ذويي نفوذ مالي وسياسي في حال تقريب موعد الانتخابات إلى 27 آذار/مارس مع ما يترتب عليه من تقصير للمهل القانونية دون تشكيل هيئة للإشراف على الانتخابات لغاية الساعة تقوم بمراقبة المسار كله؟

لكن، أبعد من كلّ ما سبق، تبقى المشكلة الأكبر في فكرة "تأجيل أو إلغاء" الانتخابات، وهو "سيناريو" يروّج له كثيرون من جديد اليوم، ولا سيما بعد صدور نتائج انتخابات نقابة المهندسين في بيروت، التي قرأ فيها بعض الأحزاب "مؤشّرًا سلبيًا" على المزاج الشعبي الذي بات "مناهضًا" بشدّة للقوى السياسية التقليدية، وإن كان البعض الآخر يعتقد أنّ هذه الانتخابات ستتمّ، لأنّها ستشكّل "المَخرَج" الوحيد للخروج من الأزمات المتفاقمة التي تتخبّط خلفها البلاد، والتي يبدو أنّها ستزداد حدّة في الأشهر الفاصلة عن موعد الاستحقاق.

ولعلّ ما جرى سابقًا من "تمديد" للبرلمان بذريعة ما وُصِفت بـ"الظروف القاهرة"، يشكّل "نموذجًا" لطريقة "تشريع" تطيير الاستحقاقات، وبالتالي مبدأ المحاسبة في البلاد، وهو ما تكرّر أيضًا في الانتخابات الفرعيّة، التي كان يفترض أن تجريها السلطة بعد شغور 10 مقاعد في البرلمان الحالي، إثر استقالة 8 نواب، ووفاة اثنين، إلا أنّ السلطة تعاملت معها بمنطق "التجاهل"، بكلّ بساطة، بعدما تذرّعت في مرحلة أولى بوباء كورونا والإجراءات الوقائية، وأعطت نفسها مهلة حتى مطلع العام الحالي لإجرائها، قبل أن تغيّبها عن "الأجندة".

إنّ الأراء الواردة في مدوّنة نقاشات في الدستور تعبّر عن رأي كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر المنظمة العربية للقانون الدستوري أو منظمة كونراد أديناور أو أي مساهم آخر في المدوّنة.

التعليقات

 

اترك تعليقاً

سيتم مراجعة تعليقك من قبل المحرر. لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

.لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني

.سيتم مراجعة تعليقك من قبل المحرر